درس العلاقات الإجتماعية بين المسلمين وغيرهم

مادة العلوم الإسلامية جميع الشعب

شملت رعاية التشريع الإسلامي كل من يعيش في ظلاله، وجعل العلاقات الإجتماعية بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى مثالية ، خاصة منهم أهل الكتاب، حيث أمر المسلمين بالعدل والبر بهم وتوفير الأمن لهم وأباح الزواج منهم ، وحرم الظلم وأرشد إلى التعايش السلمي معهم.

1 – إختلاف الدين :

إن كل ذي دين، بل كل ذي مبدأ يؤمن بأنه على الحق، وأن من عداه على الباطل، كما قال القرآن : ( فَمَنْ يَّكْفُرْ بِالطَّٰغُوتِ وَيُومِنۢ بِاللَّهِ فَقَدِ اِ۪سْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ اِ۬لْوُثْق۪يٰ ) [ البقرة/256 ]، فهو يؤمن بدينه ومبدئه، و يكفر بما سواه، وهنا تنجلي حكمة الإسلام وعظمته في معاملة غير المسلم برغم اعتقاد المسلم بكفره. ولب هذه الحكمة تتمثل في أن الإسلام زود المسلم بمفاهيم فكرية تزيح عن صدره النفور والغضب والضيق بغير المسلمين، وتفتح له باب حسن العشرة معهم، والبر بهم، و الإقساط إليهم، فإن الله يحب المقسطين. وأهم هذه المفاهيم :

  • اعتقاد كل مسلم بكرامة الإنسان، أيا كان دينه أو جنسه أو لونه قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِےٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِے اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَيٰ كَثِيرٖ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاٗۖ ) [ الإسراء/70 ]، هذه الكرامة المقررة توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية ، ومن الأمثلة العملية ما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : ( أن جنازة مرت على النبي صلى الله عليه وسلم فقام لها واقفا، فقيل له : يا رسول الله، إنها جنازة يهودي، فقال : أليست نفسا ؟ ) [ رواه البخاري ] ، و لكل نفس في الإسلام حرمة ومكانة. فما أروع الموقف وما أروع التفسير والتعليل.
  • اعتقاد المسلم أن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله تعالى، الذي منح هذا النوع من خلقه الحرية والاختيار فيما يفعل ويدع. ( وَقُلِ اِ۬لْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُومِنْ وَّمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرِۖ ) [ الكهف/29 ].
  • ليس المسلم مكلفا أن يحاسب الكافرين على كفرهم، أو يعاقب الضالين على ضلالهم فهذا ليس إليه، إنما حسابهم إلى الله في يوم الحساب، وجزاؤهم متروك إليه في يوم الدين. وبهذا يستريح ضمير المسلم، ولا يجد في نفسه أي أثر للصراع بين اعتقاده بكفر الكافر، ومطالبته ببره والإقساط إليه، وإقراره على ما يراه من دين واعتقاد.
  • إيمان المسلم بأن الله يأمر بالعدل، ويحب القسط، ويدعو إلى مكارم الأخلاق، ولو مع المشركين، ويكره الظلم ويعاقب الظالمين، ولو كان الظلم من مسلم لكافر، قال الله تعالى : ( يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ لِلهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَـَٔانُ قَوْمٍ عَلَيٰٓ أَلَّا تَعْدِلُواْۖ اُ۪عْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْو۪يٰۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعْمَلُونَۖ ) [ المائدة/ 09 ].

2 – أسس علاقة المسلمين بغيرهم :

لقد ذكر القرآن الكريم أسس هذا التعايش في مواضع ثلاثة ، هي :

أ – التعارف : يقول المولى عز وجل : ( يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنث۪يٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوباٗ وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۖ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اَ۬للَّهِ أَتْق۪يٰكُمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞۖ ) [ الحجرات/ 13 ]، إذ لا يمكن أن يرى المسلم إنسانا غير مسلم، وتكون أول بادرة منه هي أن يدير له ظهره ويهرب منه، ليس لسبب سوى أنه غير مسلم،فلا يكلمه، بينما لا توجد أية مشكلة بينهما، فلعل هذا التعرف يقرب قلبه منه، ولعله يرتاح له، فتكون فرصة لكي يطلع على أخلاق الإسلام . فالتعارف بين المسلم وغير المسلم لا حرج فيه.

ب – التعايش : ليس من المعقول أن لا يعيش المسلم إلا في جو إسلامي ، وليس ذلك مطلوبا في شريعة الله إلا حين يخاف المسلم على نفسه أو دينه. ولم يفعل ذلك المسلمون بل فعلوا عكسه، و كانوا يسافرون إلى البلاد غير الإسلامية ويتعايشون مع أهلها بأخلاق الإسلام، وكان ذلك سببا في دخول كثير من هذه الشعوب في الإسلام. وقد حدد الله سبحانه وتعالى أساس هذا التعايش بقوله : ( لا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ لَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمُۥٓ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوٓاْ إِلَيْهِمُۥٓۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ يُحِبُّ اُ۬لْمُقْسِطِينَۖ (8) إِنَّمَا يَنْه۪يٰكُمُ اُ۬للَّهُ عَنِ اِ۬لذِينَ قَٰتَلُوكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيٰ۪رِكُمْ وَظَٰهَرُواْ عَلَيٰٓ إِخْرَاجِكُمُۥٓ أَن تَوَلَّوْهُمْۖ وَمَنْ يَّتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اُ۬لظَّٰلِمُونَۖ ) [ الممتحنة/ 08 – 09 ]. إذا لم يبدأ غير المسلم بحرب، ولا أخرج المسلم من دياره، ولا ظاهر على إخراجه، فهذا إنسان تعيش معه، و عند ذلك يجب عليك أن تلتزم بالبر والقسط معه.

د – التعاون : تحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن حلف الفضول وكان ذلك في الجاهلية، حيث اجتمع رؤساء قريش وزعماؤها وتعاهدوا فيما بينهم على : مساعدة الضعيف، وإغاثة الملهوف، ومساعدة المحتاج، إلى ما هنالك من مكارم الأخلاق، وحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال في الإسلام بعد ذلك : ( لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت ) . [ رواه البيهقي ].

جـ – الروابط الاجتماعية : خلق الله سبحانه وتعالى البشر وأقام بينهم روابط متعددة، يتعاونون بها على شؤون الحياة، وحولها يتلاقون ، مسلمون وغيرهم. ومن هذه الروابط :

  • رابطة الإنسانية : وهي التي تربط بينك وبين كل إنسان على وجه الأرض، فأنت من ذرية آدم وهو من ذرية آدم، وأنت إنسان وهو إنسان كذلك . والإنسان مكلف من عند الله بتكليف واحد، سواء امتثل لهذا التكليف أم لا. ولذلك تجد الكثير من آيات القرآن توجه الخطاب للناس جميعا: ( يا أيها الناس .. ). وقد ورد لفظ ( الناس ) أكثر من مائتي مرة في كتاب الله، فضلاً عن غيرها من الألفاظ التي تعبر عن وحدة الجنس البشري . وهي تشير بالتالي إلى وجود رابطة بين هؤلاء الناس، وهي التي نسميها الرابطة الإنسانية، لأنها موجودة عند أي إنسان تجاه جميع الناس .
  • رابطة القومية : وهي أقوى من الرابطة الأولى، فالإنسان يلتقي مع قومه وهم مجموعة من الناس على أمور أكثر من مجرد الرابطة الإنسانية؛ إنه يعيش عادة مع قومه، ويتكلم بلسانهم، وله معهم مصالح مشتركة، وبينه وبينهم في الغالب قواسم مشتركة كثيرة. ولا شك أن هذه الرابطة موجودة و لها تأثيرها في واقع الفرد ودنيا الناس . ولذلك فقد ورد ذكر لفظ ( القوم ) ومشتقاته في القرآن الكريم أكثر من ثلاث مائة وأربعين مرة.
  • رابطة العائلة : وتشمل الوالدين والأولاد والزوجة ومن يسكن معهم من الأقارب في نفس الدار، وسائر الأقرباء. وهذه الرابطة تترتب عليها آثار أكبر في حياة الإنسان، ولذلك خصتها الشريعة بقدر كبير من الأحكام .
  • رابطة الإقامة : فالذي يقيم في بلد ما يشعر تجاه هذا البلد برابطة تشده إلى مكان إقامته الجديدة ، فالمسلم إذا أقام ببلد غير إسلامي، والعربي حين يقيم في بلد غير عربي، والمسيحي حين يقيم في بلد إسلامي غير بلده كل هؤلاء يشعرون برابطة خاصة تجاه بلد الإقامة الجديد، وهذه الروابط هي مشاعر فطرية بشرية طبيعية.

3 – حقوق غير المسلمين في بلد الإسلام :

أ – حق الحماية : فأول حقوق غير المسلمين في الإسلام حمايتهم من كل عدوان خارجي، فإذا اعتدي عليهم وجب على المسلمين الدفاع عنهم، وواجب أيضا على الدولة المسلمة أن تحمي الأقلية من الظلم الداخلي، فلا يجوز العدوان عليهم بأي شكل من الأشكال، والآيات والأحاديث متضافرة في تحريم ظلم غير المسلمين، كقوله صلى الله عليه وسلم: ( من ظلم معاهدا، أو انتقصه حقًا، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسٍ منه فأنا حجيجه يوم القيامة ) . [رواه أبو داود ]، ومن أنواع هذه الحماية :

  • حماية الدماء والأبدان : اتفق العلماء على أن دماء غير المسلمين محفوظة، والاعتداء عليها كبيرة من الكبائر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما ). [ رواه البخاري وأحمد ]
  • حماية الأموال : وهذا مما اتفق عليه المسلمون في جميع المذاهب، و في جميع الأقطار، ومختلف العصور. ويبلغ من رعاية الإسلام لحرمة أموالهم وممتلكاتهم أنه يحترم ما يعدونه مالا وإن لم يكن مالا في نظر المسلمين.
  • حماية الأعراض : وعرض الذمي محفوظ في الإسلام كعرض المسلم، فمن اعتدى عليهم ولو بكلمة سوء أو غيبة، فقد ضيع ذمة الله، وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ب – التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر : يضمن الإسلام لغير المسلمين كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونهم؛ لأنهم رعية للدولة المسلمة ، وهي مسؤولة عن كل رعاياها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته ) . [متفق عليه ]، ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيخا يهوديا يسأل الناس لكبر سنه، فأخذه إلى بيت مال المسلمين، وفرض له ولأمثاله معاشا، وقال : ( ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شابا، ثم نخذله عند الهرم ). و عمر رضي الله عنه بذلك وضع  قانون الضمان الاجتماعي للمسلمين وغير المسلمين.

جـ – حق التدين : ومن تلك الحقوق أن الإسلام لم يكرِه غير المسلمين على اعتناق الإسلام، فلكل ذي دين دينه ومذهبه، لا يجبر على تركه إلى غيره، ولا يضغط عليه ليتحول منه إلى الإسلام. وأساس هذا الحق قوله تعالى : ( لَآ إِكْرَاهَ فِے اِ۬لدِّينِۖ قَد تَّبَيَّنَ اَ۬لرُّشْدُ مِنَ اَ۬لْغَيِّۖ ) [ البقرة/ 256 ]، وقوله سبحانه وتعالى : ( اَفَأَنتَ تُكْرِهُ اُ۬لنَّاسَ حَتَّيٰ يَكُونُواْ مُومِنِينَۖ ) [ يونس/ 99 ].

د – حق العمل والكسب : كما كفل الإسلام لغير المسلمين حق العمل والكسب، فلهم الحق في كل الأنشطة التجارية المشروعة من بيع وشراء وإجارة ووكالة وغيرها . قال آدم ميتز : ( ولم يكن في التشريع الإسلامي ما يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة ) .

4 – واجبات غير المسلمين في بلد الإسلام :

إن غير المسلمين في بلد الإسلام كما أن لهم حقوقا فعليهم واجبات هي :

أ  – احترام القانون الإسلامي عليهم أن يلتزموا بأحكام الإسلام التي تطبق على المسلمين ، فعليهم أن يتقيدوا بقوانينها التي لا تمس عقائدهم وحريتهم الدينية . فتطبق عليهم حدود السرقة والزنا والحرابة كالمسلمين، لكن ليس عليهم الزكاة ولا الجهاد ، لأنها قضايا دينية .

ب – دفع الجزية وهذا خاص بأهل الذمة، فيعطوا المال الذي يكون جزاء لترك المسلمين قتالهم، و إقامتهم آمنين على أنفسهم وأموالهم بين أظهر المسلمين .

جـ – ترك قتال المسلمين  وهذا من الواجبات التي يقتضيها تكفل المسلمين بحمايتهم وترك قتالهم ، فهو واجب مترتب على حماية المسلمين لهم ، ودخولهم في ذمة المسلمين يستوجب عليهم ترك قتال المسلمين، لذلك لما غدر اليهود بعهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة قاتلهم.

د – ترك ما فيه غضاضة على المسلمين كذكر ربهم أو كتابهم أو دينهم أو رسولهم بسوء، وهذا الواجب أيضا من مقتضيات عهد الذمة الذي دخلوا فيه مع المسلمين، وأمنهم المسلمون بموجبه .

هـ – ترك ما فيه إظهار منكر كإحداث الكنائس والبِيع، ورفع أصواتهم بكتابهم، وإظهار الخمر والخنزير، والضرب بالنواقيس، وتعلية البنيان على أبنية المسلمين .

و – مراعاة شعور المسلمين إن النصراني الذي يأكل الخنزير ويشرب الخمر لا يتدخل الإسلام في شؤونه هذه ما دام يعتقد أنها حلال، لكن الإسلام يوجِب على الجميع احترام القيم الإنسانية والأخلاقية التي جاء الدين بها فيمنع على هذا النصراني أو غيره أن ينشر الرذيلة أو الفساد والفوضى في المجتمع الإسلامي. وأن لا يفتنوا مسلما عن دينه ولا يتعرضوا لماله ودينه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى