لقد منح الله تعالى المال للإنسان ليستغله في تحقيق رغباته المشروعة وسد حاجاته المتنوعة، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن للمال وظيفة أسمى، وهي إنشاء العلاقات الاجتماعية، فباتحاد المصالح تتحد القلوب، ومن بين العقود المالية التي تحقق هذه الغاية السامية الشركة و الشركة في الفقه الإسلامي لها أنواع عديدة ومختلفة .
أولا . تعريف الشركة :
- لغة : بكسر الشين وسكون الراء، أو بفتح الشين وكسر الراء وسكونها هي الاختلاط، سواء أكان بعقد أم بغير عقد، وسواء أكان في الأموال أم في غيرها.
- اصطلاحا : هي اتفاق بين اثنين أو أكثر بقصد القيام بنشاط اقتصادي معين ابتغاء الربح.
ثانيا . حكم الشركة ودليلها :
ثبت جواز الشركة ومشروعيتها بالكتاب والس نة والإجماع .
أ – أما القرآن الكريم : قوله تعالى في ميراث الإخوة من الأم :
( فَإِن كَانُوٓاْ أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِے اِ۬لثُّلُثِۖ ) [ النساء/12 ]. وقوله تعالى : ( إِنَّ كَثِيراٗ مِّنَ اَ۬لْخُلَطَآءِ لَيَبْغِے بَعْضُهُمْ عَلَيٰ بَعْضٍ اِلَّا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ اُ۬لصَّٰلِحَٰتِۖ ) [ ص/24 ].
والخلطاء الشركاء.
ب – السنة : من الأحاديث التي وردت في مشروعية الشركة ما يلي :
الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : ( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما ) . [ رواه أبو داود والحاكم وصححه ] ، ومعنى الحديث : أنا معهما بالحفظ والإعانة، فأمدهما بالمعونة في أموالهما، وأ نزل البركة في تجارتهما، فإذا وقعت بينهما الخيانة رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما.
عن السائب بن أبي السائب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( كنت شريكي في الجاهلية، وكنت خير شري ك، لا تداريني ولا تماريني ) . [ رواه ابن ماجه وأبو داود ].
والسنة التقريرية دلت على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث والناس يتعاملون بالشركة فأقرهم عليها، وكما قال: ( يد الله على الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما ). [ رواه الدراقطني ].
ج – أما الإجماع : فقد أجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة، وإنما اختلفوا في أنواع منها كما سيأتي.
ثالثا . حكمة تشريع الشركة :
الحكمة من تشريع الشركة بوجه عام هي الحاجة الماسة إليها، لذلك أجازها الإسلام سدا لهذه الحاجة، و تحقيقا للتعاون البناء بين أفراد المجتمع، ولأن الناس متكاملون في قدراتهم ومواهبهم وإمكاناتهم ، فلا يستطيع واحد منهم أن يستقل بكل ما تتطلبه الحياة ولكن يكمل ذلك بالتعاون مع غيره، ليستقيم العيش ويكون الرزق الحلال.
فقد يوجد في المجتمع من لديه المال الوفير ولكن ليس لديه الخبرة الكافية في إدارة الأمور ويوجد من لديه الخبرة ولكن ليست عنده القدرة الجسدية اللازمة أو لا يملك المال الكافي للقيام بعمل ما، فيضم بعضهم ما لديه من قدرات إلى ما عند غيره من مال. فتتوفر دعائم العمل وتتيسر أسباب التجارة الرابحة، فيكون التكامل ويتحقق التعاون وهذا ما تحققه الشركة التي شرعت للتيسير على الناس ورفع الحرج عنهم.
رابعا . أقسام الشركة :
1 – شركة العنان :
و هي أن يشترك شخصان في ماللهما على أن يتجرا به والربح بينهما.
حكم شركة العنان : هي جائزة عند جميع الفقهاء، وإن كانوا قد اختلفوا في بعض صورها.
شروطها : يشترط لصحة شركة العنان ما يلي :
- أن يكون كل من الشريكين أهلا للتوكيل والتوكل، بأن يكون عاقلا بالغا رشيدا.
- أن يكون هناك ما يدل على الشركة عرفا من قول أو فعل، كأن يقول كل منهما: اشتركنا أو يقوله أحدهما ويسكت الآخر، أو يقول شاركني ويرضى الآخر.
- إذا كان رأس مال أحدهما ذهبا أو فضة اشترِط في رأس مال الآخر أن يكون كذلك، فلا تصح الشركة على ذهب من أحدهما وفضة من الآخر، ويشترط أيضا بالإضافة إلى ذلك اتفاقهما في الصرف وفي الوزن، وفي الجودة أو الرداءة، وإنما شرط ذلك لتركيب هذه الشركة من البيع والوكالة.
- أن يأذن كل واحد للآخر بالتصرف، وأن تطلق يد كل واحد منهما فيه، وذلك بأن تكون أيديهما عليه بأن يجعلاه في حانوت لهما، أو في يد وكيلهما.
- أن يكون ربح كل منهما على مقدار رأس ماله، فلا يجوز اختلافهما في الربح مع تساويهما في رأس المال.
2 – شركة المفاوضة :
المفاوضة في اللغة : المساواة، وسميت الشركة مفاوضة لاعتبار المساواة في رأس المال والربح وغير ذلك. وقيل هي مشتقة من التفويض، لأن كل واحد منهما يفوض أمر الشركة في مال صاحبه على الإطلاق تصرفا كاملا.
المفاوضة في اصطلاح الفقهاء : أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في مال على عمل بشروط مخصوصة.
حكم شركة المفاوضة ودليلها :
شركة المفاوضة جائزة عند أكثر أهل العلم، ويدل على الجواز أنها عقد على تجارة بالتراضي، وقد قال الله تعالى : ( إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةٌ عَن تَرَاضٖ مِّنكُمْۖ ) [ النساء/29 ].
وقال صلى الله عليه وسلم: ( المسلمون عند شروطهم ) . [رواه البخاري ] ، والغالب عليها السلامة، والغرر لا تكاد تخلو منه أنواع البيوع.
3 – شركة الأبدان :
و هي أن يعقد اثنان أو أكثر على أن يشتركا في تقبل أعمال معينة والقيام بها، على أن يكون ما يدخل عليهما من ربح بسببها مشتركا بينهما.
كأن يتفق أهل صنعة على الاشتراك في عمل أيديهم. ولذا سميت شركة أبدان لقيامها أساسا على العمل والصنعة دون المال . وتسمى أيضا شركة الأعمال والتقبل والصنائع.
حكم شركة الأبدان ودليلها :
يجوز لأصحاب الصنعة الواحدة أن يشتركوا في عمل أيديهم، و يكون الدخل بينهم بقدر عمل كل منهم، ودل على مشروعيتها ما يلي :
أ – القرآن : الأصل فيها قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَےْءٖ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِے اِ۬لْقُرْب۪يٰ وَالْيَتَٰم۪يٰ وَالْمَسَٰكِينِ وَابْنِ اِ۬لسَّبِيلِ إِن كُنتُمُۥٓ ءَامَنتُم بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَيٰ عَبْدِنَا يَوْمَ اَ۬لْفُرْقَانِ يَوْمَ اَ۪لْتَقَي اَ۬لْجَمْعَٰنِۖ ) [ الأنفال/41 ]. فجعل الله الغانمين شركاء فيما غنموا بقتالهم، وهو نوع من شركة الأبدان.
ب – السنة : روي أن ابن مسعود شارك سعدا رضي الله عنهما يوم بدر، فأصاب سعد فرسين ، ولم يصب ابن مسعود شيئا، ولم ينكر عليهما.
جـ – ودل على مشروعيتها الإجماع : وهو أن الناس كانوا يتعاملون بها في سائر الأعصار من غير نكير عليهم من أحد.
د – القياس : فلقد قاسوا هذه الشركة على المضاربة وقالوا : إن العمل أحد جهتي المضاربة، فصحت الشركة عليه كالمال.
هـ – المعقول : هو أن شركة الأموال شرعت لتنمية المال، وشركة الأعمال شرعت لتحصيل أصل المال . والحاجة إلى تحصيل أصل المال فوق الحاجة إلى تنميته، فلما شرعت لتحصيل الوصف كانت مشروعيتها لتحصيل الأصل أولى.
شروط شركة الأبدان :
- اتحاد الصنعة في الشركاء، فلا تجوز بين مختلفي الصنائع، إلا أن تكون إحداهما تسلتزم الأخرى، بأن يتوقف عمل أحدهما على عمل الآخر كغزال ونساج، فيجوز.
- اتفاق المكان الذي يعمل فيه الشريكان، فإن كانا في موضعين لم يجز.
- أن يقسم الربح على قدر العمل أنصافا، أو غير ذلك، والتقارب القليل يتسامح فيه، ولا يجوز التفاوت البين بأن يعمل أحدهما النصف مثلا ويأخذ الثلث، لأنه من أكل المال بالباطل.
4 – شركة الوجوه ( الذمم ) :
و هي أن يشترك وجيهان عند الناس أو أكثر من غير أن يكون لهما رأس مال، على أن يشتريا سلعة بالنّسيئة ( بمؤجل ) ويبيعاها، ثم يوفون ثمنها لأصحابها، وما فضل عن ذلك من ربح يكون مشاعا بينهما.
وسميت بشركة الوجوه أخذا من الوجاهة، لأنه لا يشتري بالنّسيئة إلا من له وجاهة عند الناس، وقيل لأنه ما يشتريان من الوجه الذي لا يعرف. ويقال لها أيضا شركة المفاليس، لانعدام رأس المال فيها. وتعرف هذه الشركة أيضا بالشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال .
حكم شركة الوجوه :
هي باطلة؛ لأن الشركة إنما تتعلق على المال أو العمل، وكلاهما معدومان في هذه المسألة، مع ما في ذلك من الغرر، لأن كل واحد منهما عاوض صاحبه بكسب غير محدود بصناعة ولا عمل مخصوص.
خامسا . الشركات الحديثة :
التعريف بالشركات الحديثة :
1 – شركات الأموال : هي الشركات التي تعتمد في تكوينها وتشكيلها على رؤوس أموال الشركاء، بغض النظر عن الشخصية المستقلة لكل مساهم، وتكون أسهمها قابلة للتداول ، وتنقسم إلى :
أ – شركة المساهمة : هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسما إلى أسهم قابلة للتداول، ويكون كل شريك فيها مسؤولا بمقدار حصته في رأس المال.
ب – شركة التوصية بالأسهم : هي الشركة التي يتكون رأس مالها من أسهم قابلة للتداول.
ج – الشركة ذات المسؤولية المحدودة : هي الشركة التي يكون رأس مالها مملوكا لعدد محدود من الشركاء لا يزيد عن عدد معين ( يختلف ذلك باختلاف القوانين ) ، وتتحدد مسؤولية الشركاء فيها بمقدار حصة كل واحد منهم في رأس المال، ولا تكون أسهمها قابلة للتداول.
2 – شركات الأشخاص : هي الشركات التي يقوم كيانها على الأشخاص الشركاء فيها، حيث يكون لأشخاصهم اعتبار، ويعرف بعضهم بعضا، ويثق كل واحد منهم في الآخر، وتنقسم إلى :
أ – شركة التضامن : هي الشركة التي تعقد بين شخصين أو أكثر بقصد الاتجار، على أن يقتسموا رأس المال بينهم، ويكونون مسؤولين مسؤولية شخصية وتضامنية في جميع أموالهم الخاصة أمام الدائنين. وهي تقوم بصفة أساسية على المعرفة الشخصية بين الشركاء.
ب – شركة التوصية البسيطة : هي الشركة التي تعقد بين شريك أو أكثر، يكونون مسؤولين ومتضامنين، وبين شريك واحد أو أكثر ، يكونون أصحاب حصص خارجين عن الإدارة ويسمون شركاء موصين، ومسؤوليتهم محدودة بمقدار حصصهم في رأس المال.
ج – شركة المحاصة : هي شركة مستترة ليس لها شخصية قانونية، وتنعقد بين شخصين أو أكثر يكون لكل منهم حصة معلومة في رأس المال، ويتفقون على اقتسام الأرباح والخسائر ا لناشئة عن عمل تجاري واحد أو أكثر يقوم به الشركاء أو أحدهم باسمه الخاص، وتكون المسؤولية محدودة في حق مباشرة العمل فيها.
3 – الشركة القابضة : هي الشركة التي تملك أسهما أو حصصا في رأسمال شركة أو شركات أخرى مستقلة عنها، بنسبة تمكنها قانونا من السيطرة على إداراتها ورسم خططها العامة.
4 – الشركة متعددة الجنسيات : هي شركة تتكون من مجموعة من الشركات الفرعية، لها مركز أصلي يقع في إحدى الدول، بينما تقع الشركات التابعة له في دول أخرى مختلفة، وتكتسب في الغالب جنسيتها. ويرتبط المركز مع الشركات الفرعية من خلال استراتيجية,اقتصادية متكاملة تهدف إلى تحقيق أهداف استثمارية معينة.
الحكم الشرعي في الشركات الحديثة :
1 – الأصل في الشركات الجواز إذا خلت من المحرمات والموانع الشرعية في نشاطاتها، فإن كان أصل نشاطها حراما كالبنوك الربوية أو الشركات التي تتعامل بالمحرمات في كل أو بعض معاملاتها، فهي شركات محرمة لا يجوز تملك أسهمها ولا المتاجرة بها. كما يتعين أن تخلو من الغرر والجهالة المفضية إلى النزاع، وأي سبب من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى بطلان الشركة.
2 – يحرم على الشركة أن تصدر أسهم تمتع أو أسهم امتياز أو سندات قرض.
3 – في حالة وقوع خسارة لرأس المال ، فإنه يجب أن يتحمل كل شريك حصته من الخسارة بنسبة مساهمته في رأس المال.
4 – إن المساهم في الشركة يملك حصة شائعة من موجوداتها بمقدار ما يملكه من أسهم.